
آداب الخروج إلى البر
إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُل مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُل بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَكُل ضَلالَةٍ فِي النَّارِ.
عباد الله، إنَّ من الأمور التي أباحها الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتكون مُحبَّبةً للنفوس- الخروجَ إلى البرِّ في رحلات هادفة، فيها ترويح ومتعة، وفيها إنعاش ونشاط، وفيها مقاصد شرعية نافعة، من أعظمها: التأمُّل في خلق الله تعالى، وملكوته الواسع من سماوات عالية، وأرض مفروشة، ونجوم مضيئة، وقمر منير، وسراج وهَّاج، ونباتات خضراء، وجبال شاهقة، ووديان جميلة، وهضاب عالية، ورمال رتيبة، وحيوانات لطيفة، وحيوانات ضارة مخيفة، كلُّ ذلك من صُنْع الله عز وجل الذي أحسن كل شيء خلقه.
والمسلم- عباد الله- حريص على رِضا ربِّه، وعلى مُراعاة أحكام الشرع وآدابه، لا يغفل عن ذكر الله، ويراعي أحكام الله عز وجل، وأن يجعل من هذه الرحلات البرية عبادةً لربِّه، ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162].
وأن يشكر نِعَمَ الله عز وجل عليه:
1- فمن ذلك أن يذكر الله عز وجل عند نزوله: عن خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّة، قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا، ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ، حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ))[1].
2- وأن يجدَّ ويجتهد حال خروجه للبرِّ؛ بأن يؤدي الصلاة في وقتها، وأن يتحرَّى وقتها، وأن يرفع الأذان.
3- وأن يتوضَّأ بالماء، ولا يجوز له أن يتيمَّم أبدًا إلَّا إذا فَقَدَ الماء أو عجز عن استعماله.
4- وإذا كان خروجه قريبًا من البلد، وليس سَفَرًا؛ فلا يجوز له أن يترخَّص برخص السفر، فلا يجوز له قَصْرُ الصلاة الرباعية، ولا يجوز له ترك صلاة الجُمُعة.
5- وأن يعتنيَ بصلاة الجماعة، وألَّا يترك وِرْدَه من القرآن الكريم.
6- وأن يحرص العبد على الصحبة الصالحة التي تُعينه على الخير، وتدُلُّ عليه، وتُشجِّع عليه؛ إذ الصحبة السيئة لا تُعين على الخير إلا عادة أو موافقة؛ ولهذا يكثُر في مجالس غير الصالحين الغِيبة والنميمة، والسخرية والاستهزاء، والمزاح الثقيل، والسهر المُفرط الذي يؤدي إلى تضييع الصلوات المفروضة، فكل ذلك مَنهيٌّ عنه.
عباد الله،إنَّ الخروج إلى البرِّ فيه فائدة عظيمة لمن تأمَّل؛ فيه فائدة نفسية صحية، وفائدة اجتماعية، وذلك عندما يجتمع الأقارب في مكان واحد تقوى فيهم رابطة الرَّحِم، وتعظُم بينهم المحبة، فصِلَةُ الأرحام مقصودٌ عظيمٌ، وعمَلٌ صالح، أجْرُه كبير، وفضلُه واسعٌ، وأثرُه ظاهر، ﴿ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 21، 22].
نسأل الله تعالى أن يُهيِّئ لنا من أمرنا رشدًا، وأن يغفر لنا ويرحمنا، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ يغفر لكم إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
عباد الله، إنَّ وقت المسلم شيءٌ مُهِم يحرص على استثماره بالخير، يُكثر فيه من الحسنات، ويبتعد عن السيئات، فلا يُسرِف في خروجه للبر، ويضيع حقوقًا عليه، من أهمها: شؤون بيته، وما يحتاج إليه أهله من رعاية واهتمام، وما يُعينه على تربية البنين والبنات، فوجودُك جُلَّ وقتك خارج البيت قد يكون أمرًا مؤثرًا في سلوك الأبناء وأخلاقهم، عن عَبْدِاللهِ بْن عَمْرٍو، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ))[2].
عباد الله:
7- إنَّ من الآداب المرعية في البرِّ أن يُطفئ المسلم النار عند نومه: عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: احْتَرَقَ بَيْتٌ بِالْمَدِينَةِ عَلَى أَهْلِهِ، فَحُدِّثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَأْنِهِمْ، فَقَالَ: ((إِنَّمَا هَذِهِ النَّارُ عَدُوٌّ لَكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ))[3].
8- وأن يعتني المسلم بنظافته، ونظافة المكان الذي هو فيه، فلا يؤذي فيه، ولا يكون سببًا في توسيخه وتقذيره، ولا يؤذي الناس بشيء من أنواع الأذى، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أسِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ))[4].
إنَّ المسلم في أي مكان حلَّ، وفي أي بقعة نزل، يُرى فيه الخير والصلاح والخُلُق السديد.
نسأل الله عز وجل أن يجعل حياتنا كُلَّها عبادةً لله سبحانه، وأن يوفِّقنا لحُسْن عبادته، وذكره، وشُكْره.
[1] مسلم: (2708).
[2] النسائي: 9131، وحسَّنه الألباني.
[3] ابن ماجه: (3770)، قال شعيب الأرنؤوط: صحيح.
[4] الطبراني في الكبير: (3050)، وهذا إسناد حسن؛ كما قال المنذري في “الترغيب” (1/ 83) ، والهيثمي في “المجمع” (1/ 204) .