
معاني أسماء الله الحسنى (الله، الرب، الرحمن، الرحيم)
إن لله سبحانه الاسم الأعظم الذي إذا دُعِيَ به أجاب، وإذا سُئِل به أعطى.
وقد اختلف العلماء في تعيين ذلك الاسم اختلافًا كثيرًا، ولكن أرجى الأقوال في ذلك ثلاثة أقوال:
الأول: اسم الله: ” الله” هو أخصُّ الأسماء به, وأجمع الأسماء وهو أصل أسماء الله الحسنى.
قال ابن القيم رحمه الله: فعُلم أن اسمه “الله” مستلزم لجميع الأسماء الحسنى دال عليها بالإجمال، والأسماء الحسنى تفصيل وتبيين لصفات الإلهية…”[1]
الثاني: اسم الله “الحي القيوم” إذ ورد هذان الاسمان مقترنان في ثلاثة مواضع:
في آية الكرسي: {ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُۚ لَا تَأۡخُذُهُۥ سِنَةٞ وَلَا نَوۡمٞۚ} البقرة – 255.
وفي سورة آل عمران:{ الٓمٓ ١ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُ ٢} آل عمران -2.
وفي سورة طه: {وَعَنَتِ ٱلۡوُجُوهُ لِلۡحَيِّ ٱلۡقَيُّومِۖ وَقَدۡ خَابَ مَنۡ حَمَلَ ظُلۡمٗا ١١١} طه – 111.
فالحيُّ: ذو الحياة الكاملة التي لم يسبقها عدم، ولا يلحقها فناء.
والقيوم: هو القائم بنفسه المقيم لغيره, فاسمُهُ سبحانه الحي يدل على كمال الصفات، واسمه القيوم يدل على كمال أفعال الله تعالى، فكمال صفاته وكمال أفعاله يدلان على كمال ذاته سبحانه وتعالى وتقدس.
عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “اسم الله الأعظم في سور من القرآن ثلاث: في البقرة , وآل عمران, وطه”[2]
الثالث: ما جاء في حديث بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: اللهم إني أسألك أني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد, فقال: لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سُئل به أعطى وإذا دُعي به أجاب.
وفي رواية: “والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أجاب وإذا سئل به أعطى”[3]
فحري بك أخي أن تدعو الله عز وجل بكل ما تقدم حتى تنال الخير بإذن الله.
الله, الإله
هذا الاسم العظيم ورد في القرآن الكريم كثيرًا جدًا أكثر من ألفي مرة, وهو مشتق من أله يأله إلهة على الصحيح, كما قال ابن القيم رحمه.[4]
قال السعدي رحمه الله في معناه: ” الله الإله هو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال, فقد دخل في هذا الاسم جميع الأسماء الحسنى ولهذا كان القول الصحيح: إن الله أصله الإله وإن اسم الله هو الجامع لجميع الأسماء الحسنى والصفات العلى” [5]
خصائص هذا الاسم:
إنه أعرف المعارف وعلم على ذات الرب سبحانه وهو الاسم الذي لا يطلق على أحد سواه.
وهو الاسم الذي تتبعه جميع الأسماء.
قال الخطَّابي رحمه الله: أشهر أسماء الله تعالى وأعلاها محلًّا في الذكر والدعاء، وكذلك جعل أمام الأسماء وخصت به كلمة الإخلاص، ووقعت به الشهادة فصار شعار الإيمان.[6]
اسم الإله ” الله” الذي إذا ألمَّ بأحد ملمة أو نزلت نازلة أو عاجله موت أو داهمه هم أو سطا عليه مرض أو اعتراه خطر فإنه يفزع إلى الله تعالى ويصيح بهذا الاسم الأعظم ويدعو الله عز وجل.
هو الاسم الذي تألهه القلوب, وتَحنُّ إليه النفوس وتتشرف إليه الأشواق, وتشنف له الأسماع.
معاني الإله في لغة العرب:
1_ الإله بمعنى: المعبود, والإله بمعنى المألوه أي المعبود, قال الله تعالى: {وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَآءِ إِلَٰهٞ وَفِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَٰهٞۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡعَلِيمُ ٨٤} الزخرف -84.
2_ الإله بمعنى الملتجأ إليه، تقول العرب: أله يأله إلى كذا أي لجأ إليه.
وكانت العرب تلجأ إلى آلهتها طلبًا للنصرة .
قال الله تعالى: {وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ ءَالِهَةٗ لَّعَلَّهُمۡ يُنصَرُونَ ٧٤} يس- 74.
3_ الإله بمعنى المحبوب المعظم ، كما قال بعض علماء اللغة في أن إله يأله أصله وَلَه يوله والوله هو شدة الحب والتعظيم والإله يُحَب ويُعظم.
4_ الإله الذي تحتار العقول فيه, لما له من أسرار خفية, وأعمال عظيمة، وصفات جليلة, وليست الحيرة هنا بمعنى الشك والارتباك، وإنما بمعنى التعظيم وعدم إدراك الكنه ومنتهى الإدراك والفهم.
قال الله تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِۦ عِلۡمٗا ١١٠} طه – 110 .
وقال الله تعالى: {لَّا تُدۡرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَهُوَ يُدۡرِكُ ٱلۡأَبۡصَٰرَۖ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ ١٠٣} الأنعام – 103.
فمعاني الله الإله جمعت معاني الربوبية والألوهية والأسماء والصفات تعالى ربنا وتقدَّس.
الله سبحانه, الرب
أطلق الله سبحانه على نفسه العلية في كتابه اسم “الرب” في مواضع كثيرة:
قال الله تعالى: {ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٢} الفاتحة -2.
وقال تعالى: {قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ ١} الناس -1.
وقال تعالى: {وَهُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِيمِ ١٢٩} التوبة -129.
وغير ذلك.
وقد جاء في السنة قوله صلى الله عليه وسلم: ” فأمّا الرُّكوعُ فعظِّموا فيهِ الرَّبَّ “[7]
وقوله صلى الله عليه وسلم “السواك مطهرة للفم مرضاة للرب”[8]
معنى الرب: هو المالك المتصرف, ويطلق في اللغة على السيد, وعلى المتصرف للإصلاح, وكل ذلك صحيح في حق الله تعالى.[9]
والربُّ: ذو الربوبية على خلقه أجمعين خلقًا وملكًا وتصرفًا وتدبيرًا.[10]
وهذا الاسم العظيم يتناول في دلالته سائر الأسماء والصفات.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: إن الرب هو القادر الخالق البارىء المصور الحي القيوم العليم السميع البصير المحسن المنعم الجواد العظيم المانع الضار النافع المقدم المؤخر الذي يضل من يشاء ويهدي من يشاء ويسعد من يشاء ويشقي من يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء إلى غير ذلك من معاني ربوبيته التي له منها يستحقه من الأسماء الحسنى”[11]
ولهذا كان استفتاح دعاء الأنبياء والصالحين بهذا الاسم المبارك لما فيه من معاني عناية الرب سبحانه بعباده فالمؤمن يستحضر هذا المعنى العظيم, يعتني الرب سبحانه بعبده ويوليه حيث أتم عليه النعمة, وأبعد عنه النقمة وأعطاه ما أعطاه من النعم والخيرات ما يستوجب شكر الله على نعمه وتوحيده والثقة به سبحانه والتوكل عليه, ما يشعر في قلبه من انشراح وطمأنينة وثبات وسعادة وشجاعة.
و إذا العناية لاحظتك عيونها … … نم فالمخاوف كُلُّهُنَّ أمان
وإذا اطمأن العبد بربه وركن إليه وجد في قلبه حلاوة, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم
“ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا”[12]
الله سبحانه, الرحمن, الرحيم
قال الله تعالى: {ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ٣} سورة الفاتحة:3.
وقال تعالى: { وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحۡمَٰنُ فَٱتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوٓاْ أَمۡرِي ٩٠} سورة طه:90.
وقال تعالى: {ٱلرَّحۡمَٰنُ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ ٥} سورة طه:5.
وقال تعالى: { ۖ وَخَشَعَتِ ٱلۡأَصۡوَاتُ لِلرَّحۡمَٰنِ فَلَا تَسۡمَعُ إِلَّا هَمۡسٗا ١٠٨} سورة طه:108.
وقال تعالى: {وَمَا يَأۡتِيهِم مِّن ذِكۡرٖ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ مُحۡدَثٍ إِلَّا كَانُواْ عَنۡهُ مُعۡرِضِينَ ٥} سورة الشعراء:5.
وقال تعالى: {إِنَّهُۥ مِن سُلَيۡمَٰنَ وَإِنَّهُۥ بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ٣٠}سورة النمل:30.
أما معناهما فالاسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة, والرحمن أشد مبالغة من الرحيم, والرحمة هي الرقة والتعطف في اللغة
أما الله سبحانه الرحمن الرحيم فذو الرحمة الواسعة الشاملة الواصلة, فكل مافي الكون من خير فمن آثار رحمته سبحانه.
الفرق بين الاسمين الكريمين:
ذكر العلماء بينهما فروقًا, ولعلَّ القولَ المختار هو أن الرحمن دالٌّ على صفة ذاتية والرحيم دال على صفة فعلية.
قال ابن القيم رحمه الله: إن الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه، والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم, فكان الأول للوصف, والثاني للفعل، فالأول دال على أن الرحمة صفته والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته.[13]
فالله سبحانه رحمته واسعة.
قال الله تعالى: {وَرَحۡمَتِي وَسِعَتۡ كُلَّ شَيۡءٖۚ} سورة الأعراف:156.
وقال تعالى: { كَتَبَ رَبُّكُمۡ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَ أَنَّهُۥ مَنۡ عَمِلَ مِنكُمۡ سُوٓءَۢا بِجَهَٰلَةٖ ثُمَّ تَابَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَصۡلَحَ فَأَنَّهُۥ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٥٤} سورة الأنعام:54.
وأن رحمته سبقت غضبه كما في قوله صلى الله عليه وسلم: ” ” إِنَّ اللَّهَ لَمَّا قَضَى الخَلْقَ، كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي “[14]
ومن آثار رحمته أن أرسل الرسل وأنزل الكتب:
قال الله تعالى: {تَنزِيلٞ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ٢}سورة فصلت:2.
وقال تعالى: {وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ ١٠٧} سورة الأنبياء:107.
فاليقين برحمة الله عز وجل يورث في القلب الطمأنينة والانشراح والرغبة في الخير, وتحث المسيء إلى التوبة والمحسن إلى الازدياد من الخيرات والحسنات.
والله الرحمن عَلَم على ذات الرب سبحانه, فلا يسمى غيره به.
ومن آثار رحمة الله عز وجل في عباده تراحم المخلوقات وتراحم الأرحام فيما بينهم وتراحم الأزواج, ولولا رحمة الله عز وجل لهلك الناس وتقاطع الأرحام وعمَّ الفساد في الأرض.
ومن هنا نعلم السرَّ في اقتران ربوبية الله مع رحمته.
قال الله تعالى: {ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٢ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ٣} سورة الفاتحة:3.
فربوبيته توجب الخوف والتعظيم, ورحمته توجب الرجاء والطمع والتكريم, وإن ربوبيته قائمة على الرحمة في الأصل.
[1] مدارج السالكين, 1/33,34
[2] رواه ابن ماجة, 385
[3] رواه أبو داود. 1493 والترمذي, 3542
ويحتمل أن حديث بريدة يؤيد القول الأول والله أعلم
[4] بدائع الفوائد, 16/1
[5] الحق الواضح المبين ص: 104
[6] شأن الدعاء, 1/31
[7] رواه مسلم, 479
[8] رواه النسائي, 5 وعلقه البخاري
[9] تفسير ابن كثير, 1/4342
[10] فقه الأسماء الحسنى, ص: 97
[11] بدائع الفوائد 2/212
[12] رواه مسلم, 34
[13] بدائع الفوائد 1/24
[14] رواه البخاري, 7422